يعطي التنظيم القضائي للباحث أو القارئ فرصة معرفية للإطلاع على سياسة الدولة ومن خلالها المشرع ، على فلسفتها العامة في تدبير مجال القضاء ، سواء كان في الجانب المتعلق بالحياة الإدارية لرجال القضاء وأصنافهم واختصاصاتهم ومختلف الأحكام المتعلقة بوضعياتهم ، أو باقي المكونات الأخرى من الموظفين الإداريين المنتمين لهيئة كتابة الضبط ، بالإضافة إلى الجانب المؤسساتي المتمثل في الإدارة المركزية الوصية على قطاع العدل وهيكلتها والاختصاصات المنوطة بها ، وباقي الوحدات الإدارية التي تعد إمتدادا لها من مديريات فرعية ومحاكم ومراكز القضاة المقيمين ، وكيفية رقابة تصريف الإجراأت والأشغال المنوطة بها من خلال التفتيش التسلسلي الذي يضطلع به المسؤولون القضائيون على مستوى الدوائر القضائية الإستئنافية ، والمركزي الذي تقوم به المفتشية العامة بوزارة العدل والحريات .

1) النظام القضائي قبل الحماية
يتعين التمييز بين مرحلتين في هذا الاطار:
المرحلة الاولى: كان فيها الفقه الاسلامي و الاعراف هما الالمطبقان وان بقيت بعض الاقليات خاصة خاضعة لقواعد خاصة بها كاليهود و المسيحيين .
المرحلة الثانية: ظهر فيها نظام الامتيازات ليحول دون تطبيق الفقه الاسلامي على المستفيدين من الحماية ولو كانوا مغاربة مسلمين.

2) النظام القضائي في عهد الحماية:
في هذه المرحلة عمدت فرنسا الى الغاء القضاء القنصلي بعدما انشئت محاكم تسير ونظامها القضائي، وذلك قبل ان يتشكل التنظيم القضائي بالمغرب آنداك من المحاكم العبرية و المحاكم الشرعية و المحاكم المخزنية و المحاكم الفرنسية .

3) النظام القضائي في عهد الاستقلال:
عمل المغرب على الغاء كل المحاكم التي تتنافى و السيادة المستقلة للمغرب، فأحدث محاكم جديدة منها المحاكم العادية و المحاكم العصرية ومحاكم الشغل و المجلس الاعلى ، وذلك قبل ان يصدر قانون التوحيد و المغربة و التعريب في 26 يناير 1965 الذي ألغى المحاكم العصرية و المحاكم الشرعية و المحاكم العبرية ، ليصبح التنظيم القضائي المغربي مكونا من محاكم السدد و المحاكم الاقليمية ومحاكم الاستئناف و المجلس الاعلى .
لكن القفزة النوعية التي عرفها التنظيم القضائي هي إصدار ظهير 15 يوليوز 1974 الذي الغى أغلبية المحاكم التي كانت سائدة قبل ، ليصبح التنظيم القضائي مكونا من محاكم الجماعات ومحاكم المقاطعات و المحاكم الابتدائية ومحاكم الاستئناف و المجلس الاعلى .
ونتيجة التطورات التي عرفها المجتمع المغربي عامة و القضاء المغربي بوجه خاص ، احدث المشرع نوعين جديدين من المحاكم هما المحاكم الادارية بتاريخ 10 شتنبر 1993 و المحاكم التجارية بتاريخ 12 فبراير 1997 وبعدها محاكم الاستئناف التجارية ومحاكم الاستئناف الادارية .
و بالنظر الى التعديلات الاخيرة التي ادخلها المشرع المغربي شهر اكتوبر 2011 على التنظيم القضائي بإحداث أقسام قضاء القرب التي ستحل محل محاكم الجماعات و محاكم المقاطعات ، فانه من الظروري تناول قضاء القرب كقسم متحدث للبث في القضايا البسيطة التي تستوجب بطبيعتها مساطر ولإجراءات متميزة .